المقال الفائز
بالمرتبة الرابعة في الطبعة الثامنة لمسابقة روسيكادا الشهرية
مقال
حول:
أدب الطفل في الأدب العربي المعاصر
"أدب الطفل" رسالة تربوية وفن نبيل
بقلم: بشيرباي
محمد أمين
يعتبر أدب الطفل
من المواضيع التي عرفت وتعرف جدلا واسعا في الأوساط الأدبية العربية المعاصرة، حيث
أنه ولحد الساعة لا توجد الإجابة الشافية لذلك السؤال الذي يثير الأديب قبل القارئ
"إلى أين وصل أدب الطفولة في الأدب العربي المعاصر؟" وما سر هذا التقصير
الأدبي في حق الطفل العربي؟
لعل التقصير
العربي الواقع في حق هذا النوع الأدبي نشأ منذ الإهمال الذي عرفه أدب الطفل بعد
العصر العباسي، حيث اهتم حينها الأدباء بتجميع التراث الأدبي الكبير دون الموجه
للطفولة فضلا عن بعض الأغاني التي كانت تصلح للأطفال آنذاك.
ورغم اختلاف الآراء
والأصداء حول هذا الاستفسار الذي يطرح نفسه كل مرة إلا أن الإجابة عموما كانت تشير
إلى معاناة أدب الطفل في الإبداع العربي المعاصر وعزوف الكثير من الكتاب عن هذا
الطابع الأدبي الموصوف بالصعب جدا صار لا يبشر بمستقبل جميل للطفولة التي تهوى
القراءة.
وفي هذا السياق
يقول الروائي والأديب الجزائري "محمد مفلاح" متحدثا عن أسباب هذا العزوف
الرهيب: "لا يجرؤ الكثير من الأدباء على الكتابة في أدب الطفل لصعوبة المهمة
لأنه على الكاتب أن يكون ملما بعلم النفس إلى جانب التحكم في اللغة الملائمة
لمرحلة الطفولة ويحترف أسلوب التبليغ الذي يتلاءم مع سن الطفل"-بتصرف-.
وقد تطرق الكاتب
السعيد بوسقطة في مقاله حول "أدب الأطفال في التجربة الشعرية الجزائرية"
إلى عديد من النقاط السلبية التي أدت إلى ما آل إليه أدب الطفل، ومن أبرزها ما
سماه بظاهرة الانشطار اللغوي حيث قال: "يعيش المجتمع الجزائري – الوضع
المجتمع الجزائري مشترك في باقي المجتمعات العربية- انشطارا لغويا أي أن هناك لهجة
الشارع، لهجة البيت، لهجة المدرسة مع ما تحمله من تناقضات، هذا من جانب اللهجات،
أما اللغات الرسمية فهناك الفصحى واللغة الوسطى المتعامل بها في الصحافة"... ويضيف قائلا: أن الكاتب للطفل العربي يجب أن
يكون أكثر توقفًا من غيره أمام لغة أدب الأطفال بسبب ما يعنيه المجتمع العربي في
مختلف أقطاره بين العامية والفصحى"
وبالتالي فإن هذه
المقولات مع اختلافها تشير إلى أن ما يؤرق كاهل الكاتب، يكمن في أننا نعيش عصر
يسمى بعصر السرعة فلم يشأ الكتاب المعاصرون إضاعة وقتهم في دراسة علم النفس وتعلم
أبجديات لغة الطفولة، من أجل كتابة قصة لطفل!، لكنهم بذلك تناسوا أن
الكتابة للطفل رسالة تربوية وفن نبيل وأسلوب أدبي يحرك المشاعر الطفلية ويرهف إحساسهم
البريء بالجمال، وأسلوب توجّه به الطفولة نحو العاطفة الدينية... وليست مجردة
كتابة أدبية عادية يخوضها الكاتب لرغبة ما.
فأهمية أدب الطفل:
تكمن في إمكانية
اتخاذ أدب الطفل كوسيلة نربي ونكوّن من خلالها جيلا جديدا على حسب المقاييس
والمفاهيم التربوية التي نشاء، بحرية مطلقة، وعلى سبيل مثال مؤسف ها هو الأدب
العبري والصهيوني يهتم ويركز كثيرا على أدب الطفل لأن الكتّاب الصهاينة يعلمون
جيدا أن الكلمة سلاح فتاك ووصلوا إلى درجة كبيرة من الوعي مكنتهم ليتخذوا من أدب
الطفل وسيلة لتربية جيل إسرائيلي جديد مشبع بمفاهيم الحقد والكراهية اتجاه الإنسان
العربي، فقد راح أدباء إسرائيل يؤلفون لأطفالهم قصصا خيالية تروي تطرف العرب وتصور
لهم الإسلام على أنه دين إرهاب ودين وجب محاربته، وبهذه الأفكار التي غرست في
أذهان أطفالهم وهم في سن مبكرة نستنتج سر تطاولهم المتزايد وتجرؤهم المستمر على
أقصانا وعلى نساءنا وعلى أطفالنا في فلسطين.
إذًا يمكننا القول
أن الأدباء الصهاينة نجحوا في استغلال أدب الطفل إلى حد ما، وساعدهم في ذلك البياض
الناصع لفكر الطفل أي أن كل فكرة مهما كانت خلفياتها سترسخ في ذهنه بسرعة وستأتي
بثمارها طول الأمد، إضافة إلى استصغار الكتّاب والشعراء العرب لفكرة أن الأدب
الموجه للطفل أدب بناء وتربوي، فلا تجد في مكتباتنا أي كتب للأطفال تنتقد وتجرم
العدوان الإسرائيلي، فهل فشل حقا الأدباء العرب في الردّ على الصهاينة بنفس السلاح!، ومتى سيرمي كتابنا
رداء الكسل والخمول عن فكرهم ليطلقوا العنان لإبداعهم البنّاء؟
متى سندرك أن
الطفل لا يحتاج الشراب والطعام والتربية المادية فقط، إنما هو بأمس الحاجة أيضا
إلى تنمية الفكرية وروحية تقيه من الإصابة بإعاقة ذهنية وعوز فكري ممثل في جسم
سليم ماديا.
ومع ذلك كله فهناك
أخبار تسر لها النفوس الغيورة على الطفولة العربية، مع التطور التكنولوجي الحاصل
في مجال الاتصال والتواصل الاجتماعي بادر كتّاب وشعراء معاصرون بتقديم أجمل القصص والعبر
والمواعظ والأناشيد الشعرية الهادفة مسجلة في فيديوهات جذابة تتناسب ورغبة الطفل
المعاصر، هذه الأعمال المنشورة إلكترونيا بإمكانها أن تساهم في فكّ العزلة الفكرية
والثقافية للطفل.
ومن حظ الأطفال
القراء أن بعض الكتب وإن لم تكن موجهة لهم بالدرجة الأولى فهي تهتم ولو بجانب بسيط
من أدبهم الذي يتناغم وسنهم ككتب: المقامات، البخلاء، كليلة ودمنة (موجه للكبار
لكن بعض الأدباء أعادوا صياغة قصص منها تتناسب مع فكر الطفولة دون المساس
بالمضمون)، وقد عرفت هذه الكتب ثراء بالعاطفة والمشاعر الجياشة نحو الأبناء، وقد
كان الشاعر أحمد شوقي رفقة الكاتب كامل كيلاني سباقين في هذا المجال على المستوى
العربي لما قدموه من نتاج أدبي كبير موجه للطفولة.
في الأخير نأمل أن
يمتزج أدب الطفولة المكتوب حرفيًا مع المسجل المسموع صوتيًا ليقدموا أدبا تربويًا
بناء يخدم طفولتنا المسعفة فكريًا.
نشرته كل من
يومية
الديوان الثقافية
صحيفة
الفكر
موقع مبادرة التجديد العربية (الأردن)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق