عن مدى تداول اللغة العربية في الجزائر، وتأثير بعض الأحكام المسبقة عليها ..
لغتنا العربية ليست كبريتا ..
من المؤسف أن يقترب تشبيه اللغة العربية في وطني إلى الكبريت المنحل في البترول الخام، والكبريت هذا من أكثر العناصر المفسدة للبترول ونقاوته، حيث يرفع من تكلفة التكرير ويسبب مشاكل أثناء تنقية البترول كأكسدته للأنابيب الناقلة للخام ويسبب تآكل لمعدات التصفية، إضافة إلى أنه عنصر كيميائي سام ذو رائحة كريهة.
وقد صارت للأسف لغتنا الأم مزعجة للكثير بأتم معنى الكلمة والأرجح أن هذا راجع إلى أن معظمهم يعجز عن تركيب جملة عربية بسيطة بالشكل الصحيح، كنتيجة حتمية لعدم الاستعمال والتداول لها، فاللغة تَحيا حين تُحيا وتُمارس، أما واقع عربيتنا فلا يبشر بحياة مستقبلية حيث:
لا تستعمل في تدريس أطفال المدارس الصغار، فالأستاذ يُفضل اللهجة العامية على حساب اللغة العربية ضنا منه أنها تساعد على تسهيل الفهم والاستيعاب، ونحن قلنا هذا معقول...
ولا تستعمل اللغة العربية في تدريس شعب العلوم والتكنولوجيا لأنها حسب اعتقادهم ليست لغة علوم وتقنيات، ولا صلة لها بالتكنولوجيا كي تنافس نظيرتها الفرنسية – عشيقة النظام البترولي-، ونحن قلنا هذا معقول,..
ولا تستعمل لغتنا في الشارع، لأننا نبدو كشخصيات كرتونية مضحكة حين نتكلم بالعربية الفصيحة، هكذا عللوا ذلك، ونحن قلنا هذا معقول...
كما لا تستعمل العربية حتى في برامج الإذاعة وحصص التلفزيون، لأن الإعلامي المنشط أرادها جلسة نقاش مفتوح، ووصل بذكائه الخارق إلا أن لغة النقاش لا تُهم بقدر ما يهم التطرق الجديّ للموضوع. ونحن قلنا مرة أخرى هذا معقول...
في كل مرة قلنا هذا معقول، هذا معقول... لأننا كنا نفكر منذ البداية أن اللغة العربية كبريت مزعج تواجد كُرهًا في بترولنا الخام، وغرسنا في أذهننا هذا التشبيه الخاطئ فحدث ما حدث، أما أيامنا هذه فتعرف انخفاض كبيرا في سعر البترول، فقد صار ثمن الخام بخسا، ودنت قيمته كثيرا ؟!
فهل استوعبنا الدرس؟ أم لا يزال الأمر معقولا ؟!
المعقول والمقبول الذي لا جدل فيه أننا نحن العرب، عربٌ بالاسم والكنية فقط، ولا علاقة للعين والراء والباء بنا. فلغتنا التي من المفروض أن نرتقي بها، رُحنَا وحصرنا استخدامها في علوم الدين والشعر فقط.
وأما الإعلام المحلي والذي يعتبر أخطر سلاح في عصرنا الحديث بات هو الآخر ينادي بلغة وسطية وجاهزة وقوالب لغوية مستعملة منذ أمد طويل، وذلك لانتشار الأمية في مجتمعنا - حسب رأي الإعلاميين-.
وبالعودة لسعر البترول، الذي وصل إلى أدنى مستوياته؟ ولولا أن الله عزّ وجّل أنعم علينا بنفطٍ من أجود الأنواع وأغلاها ثمنا في السوق العالمية لكُنَا واقتصادنا في خبر "كان" الذي لا نجيد حتى إعرابه، وهذه الميزة الفريدة التي يمتاز بها خامنا، تعود لانخفاض نسبة احتوائه على العناصر الكيميائية المفسدة التي يتصدرها الكبريت، وهي النقطة الإيجابية الوحيدة في الموضوع.
ولنَضَعَ الآن بعض النقاط على الحروف:
أولا: أيها المعلمون والأساتذة الكرام، لا تخافوا فالقدرة الاستيعابية لدى الطفل كبيرة جدا خاصة وهو في سن مبكرة، فلا تتحججوا وعرّبوا أطفالنا وعلموهم الدين والأخلاق والعلوم والتاريخ بلغتهم الأم. ولا تساهموا يا رفاق الأنبياء في طمس هويتهم، ولكم في أصغر حافظ للقرآن في العالم ألف عبرة، ولكم من مقولة العلامة عبد الحميد ابن باديس رحمه الله ألف حكمة "إن الأمة التي لا تحترم مقوماتها الأساسية، من جنس ولغة ودين وتاريخ، لا تعد أمة بين الأمم، ولا ينظر إليها إلا بعين الاحتقار مع الحكم عليها في ميادين الحياة بالتقهقر والانحدار".
ثانيا: يا أساتذة التعليم العالي أنتم حكماء الأمة، كيف غاب عنكم هذا التقصير؟ يا أهل العلوم والتكنولوجيا، أليست اللغة العربية لغة القرآن، لا تقولوا أن القرآن كتاب عقيدة وليس بكتاب علوم، فنحن ندرك ذلك. لكن ألم تتدبروا ولو للحظة في إعجازه العلمي وكيفية تطرقه للمواضيع العلمية؟ أما شدكم الأسلوب والبلاغة؟
أين تدبركم في سورة الحديد، وبرهان كسوة العظام باللحم، ودوران الشمس والأرض ووو.
فبأي دليل أصدرتم حكمكم على العربية على أنها لغة رجعية وبعيدة عن العلم.
هل تقدم أمم كانت متأخرة في زمن قريب، هو معياركم وحُجتكم؟
لا تقولوا لنا أن الفرنسية غنيمة حرب فذلك يجعل العربية ضحية حرب، ولو كانت الشعوب تتقدم باغتنام اللغات لأخذ عنا الإسبان والبرتغال اللغة العربية بعد سقوط الأندلس، فالعربية رُفِعت إلى أعلى المنازل في تلك الفترة.
لا يا دكاترتنا، فكروا مليًا ثم قرروا...
ثالثا: صحيح نصبح كالشخصيات الكرتونية حين يتعلق الأمر بالتكلم بالعربية الفصيحة، لكن الفضيحة أن تتحدث بلغة دموية التاريخ وأنت تسير في شارع يحمل اسم شهيد من الشهداء الأبرار؟
إذا كنت ترضى الفضيحة على حساب الشخصية الكرتونية المرحة؟ فأنت يا عزيزي معاق ذهنيا.
رابعا: أخي المنشط حين تفكر في حصة تلفزيونية، ضع خطة عمل واضحة المعالم، وحين تنتهي اقرأ كتابا ما بدل أن تجلس ساعات طويلة في المقاهي فتتأثر بجوّها، وتأتي بعدها لتنتج لنا فضاء أقرب أن يكون مقهى صاخب، تحت مسمى حصة تلفزيونية، بهذا أنت تدنس رسالة الإعلام وتجعلها حديث شارع، لا لغة تُنظمه ولا برنامج مُسطر يسير عليه.
وأخيرا ليكن في علمكم: سيبقى للغة العربية غيورين ومدافعين حب من حب وكره من كره، ولا تفكروا في جعلها كبريتا في بترول نظامكم، لأنكم لن ولن تنجحوا فلا مصفاتكم ولا مجمعاتكم البترولية قادرة على نزعها وإلغائها من المجتمع، وإن حدث وتجرأتم فسينزل سعر بترولكم أرضا وستنزل معه قيمتكم وقيمة نظامكم.
نشر في
يومية الديوان الثقافية
صحيفة الفكر
تشالنج نيوز
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق